السلام عليكم
تابع لتحليل المقال السابق
هذا الشق الأول عن العدمية عند نيتشة فماهو مفهومها عند مارتن هيدغر؟
أولا قبل الإجابة ، سنتطرق وفق مقتضيات التحليل إلى التعرف بالفيلسوف هيدغر
والإطار الفلسفي والبعد الزمني لهذه النقدية للفترة المعاصرة ، وكذا كما تعودنا شرح
أهم المصطلحات في فلسفة هيدغر.
ثم يمكننا الإجابة أو الوقف على أهم النقاط التي إنطلق منها هيدغر في تأسيس أرضية فكره
وذلك في حصرها من أحد مسلمات نيتشة وهي "الميتافيزيقا" من بعدها القيمي
الاكسيولوجي إلى أعادتها لبعدها الأنطولوجي عند هيدغر، في قراءة جديدة .
مارتن هيدغر فيلسوف ألماني(1889 ـ 1976م ) عرف "بمفكر الكينونة"
وأحد أبرز قادة المدرسة الوجودية، تابع دراسته 1909م في علم اللاهوت الكاثوليكي
بجامعة فريبورغ، ثم تلقى بعد ذلك دروسا في الفلسفة والرياضيات و علوم الطبيعة و
التاريخ حيث تتلمذ على يد أستاده إيدموند هوسرل (1859 ـ 1939م) و تحصل على
الدكتوراه في الفلسفة 1913م بنشر كتابه الشهير "الوجود و الزمان " 1927م، قبل أن
يخلف أستاذه هوسرل في عمادة الجامعة بعد أن كان مساعدا له في جامعة فريبورغ
بتدريس المنطق وكان أول مقال إفتتاحي في محاضرته هو "ما الميتافيزيقاويعد مارتن
هيدغر أحد أبرز الأصوات الرافضة لهذا الإختزال الغربي للموجود الإنساني ، وأحد
أعمدة إتجاه المدرسة الوجودية المعاصرة الذين قدّموا نقدا لمظاهر الحياة التقنية و نتائجها
السلبية و خاصة منها في سوء إستخدامها في عصرنا هذا، الذي عرف ثورات علمية و
تقنية كبيرة في خضم التطورات السريعة التي عرفتها المعرفة العلمية، وخصوصا في
مجال علم الفيزياء و الطبيعيات.
لقد إنصب إهتمام مارتن هيدغر في البحث وطرق باب النقاش و المساءلة ، عن
ماهية حقيقة الوجود وهذا تطبيقا لمنهجه الفينومينولوجي الذي يقوم على الذهاب
من الظاهرة إلى الماهية
أي من موضوعات الأشياء في ذاتها ، إلى الغوص و التعمق أكثر في البدايات
الجينيالوجية للأشياء
[rtl]
فهيدغر يبحث و يحاول إكتشاف الحقيقة الماهوية للموجودات ، كما تأسست في أحضان ماهية الكائن هناك (الدزاين) أين تشير هذه مفردة إلى تجربة لغوية [/rtl]
[rtl]
وميتافيزيقية عميقة في فلسفتة. تجربة بحث عن حقيقة ظلت متحجبة قرونا [/rtl]
[rtl]
طويلة.رفع هيدغر نداءًا لحقيقة الميتافيزيقا في وقت ظنت الفلسفة الغربية أنها قد تجاوزت التفكير في الوجود والموجود. حيث أقام مناظرة مباشرة مع الفلاسفة المحدثين ،[/rtl]
[rtl]
عن الكشف ماهو مسكوت عنه داخل النصوص الكلاسيكية الكبرى ، و الشذرات الشعرية القديمة للفلسفة اليونانية قبل سقراط . في إستعادة للقراءة الأنطولوجية لهذا [/rtl]
[rtl]
المأثور النائم بنصوصه وشذراته الشعرية للفلسفة الإغريقية الأولى .[/rtl]
فالمشروع الهيدغري ينطلق من مفهوم فكرة الكينونة ، بكل أبعادها الشاملة المنطقية
والمعرفية والمنهجية عبر تاريخها التطوري من فلسفة ميتافيزيقا الوجود الأولى للفكر
اليوناني ماقبل سقراط . فهو يطرح ضرورة تجاوز هذه الأنطولوجيا وإخراجها من سياق
مفهوم البداهة ، إلى صرامة التشخيص و الإستجواب و الإحراج في إستعادته لقراءة
سؤال الوجود بكليته ، بعدما تمّ ركنه في رف التيه والنسيان . ليخرجه هيدغر مجددا من
غياهب النصوص الكبرى للفلسفة ، و اللاهوت ، و يضعه على طاولة متن الفكر الغربي .
أن النقد الهيدغري المتضمن في هذه النصوص ، هو النص المحوري لبناء أسس
أنطولوجيا جديدة ، إنطلاقا من الكائن.
قبل البدء سنتطرق إلى شرح بعض من المصطلحات الواردة في المقدمة.
الحقيقة :هي مطابقة التصور أو الحكم للواقع ،فالحقيقة بهذا المعنى إسم لما أريد به حق
الشيء
الحقيقة عند الوجوديين هي :تجلي الواقع المدرك بحيث يتصور الشئ كما نشاء في حرية
تامة وبحيث تكون الحقيقة ذاتية او نسبية وتاريخية فالحقيقة اذن نتيجة فعل حر .
(جميل صليبا:المعجم الفلسفي، (ج 1)،ص487.)
الوجود :تحقق الشيء في الذهن أو في الخارج ومنه الوجود المادي أو في التجربة
،والوجود العقلي أو المنطقي.
.(إبراهيم مذكور: المعجم الفلسفي ، ص211.)
الوجودية:مذهب يقوم على إبراز الوجود و خصائصة وجعله سابقا على الماهية ،فهو
ينظر إلى الإنسان على أنه وجود لا ماهية ويؤمن
بالحرية المطلقة التي تمكن الفرد من أن يمتع نفسه بنفسه ويملأ وجوده على النحو الذي
يلائمه.
.(إبراهيم مذكور: المعجم الفلسفي، مرجع سابق،ص211).
الفينومينولوجيا أو الظاهراتية :هي مدرسة فلسفية تعتمد على الخبرة الحدسية للظاهر
كنقطة بداية وتنطبق من هذه الخبرة لتحليل الظاهرة
وأساس معرفتنا بها .وهذا المنهج إتخذه هيدغر في قراءته لمسألة ميتافيزيقا الوجود
(بتر كونزمان فرانز و آخرون:أطلس الفلسفة ،ط2،ص 197)
الماهية . والحقيقة والذات: قد تطلق على سبيل الترادف ،ولكن الحقيقة والذات تطلقان
غالبا على الماهية ، بإعتبار الوجود الخارجي.
(جميل صليبا:المعجم الفلسفي ، (ج2)، ص315)
الدزاين: (الوجود – هناك) هو من ضمن إمكانيات الخاصة بالكائن الأصيل ،إذ ما
إستطاع أن يحقق نفسه إنطلاقا من وجوده ،فلا يمكن
إشتقاقه من ماهية عامة قائمة سلفا ،ولا يمكن إدراك صفات كينونته من خلال المقولات
،بل تدرك من خلال التعينات الوجودية الحياتية.
(جميل صليبا:المعجم الفلسفي ، (ج2)،:ص207.
الأنطولوجيا : أحد بحوث الفلسفة الرئيسية وتشمل النظر في الوجود بإطلاق ،مجردا من
كل تعين أو تحديد وهو عند أرسطو علم الوجود بما هو موجود ، وبهذا المعنى سمي
بمبحث الميتافيزيقا العام. (إبراهيم مذكور: المعجم الفلسفي ، ص26)
إذن فالأساس الهيدغري ينطلق على تقويض الميتافيزيقا ؛أي من عدمية نيتشة التي
رفضها كأحد الأسس الأصيلة في الفكر الغربي .
فهي أي الميتافيزيقا نقطة اللقاء بين الفيلسوفين، ولكن من وجهة نظر مختلفة
فنيتش يعدمها من جذورها ،وهيدغر من خلال العدمية يحاول إعادة قراءتها من جديد
وبمسلمة جديدة.وكذا نجد المنطلق المشترك الوجودي للإنسان الغربي، فنيتش من خلال"
الرجل الأسمى" وهيدغر ب فكرة "الدزاين" ،فالذات هي الحاضرة في قراءة الفيلسوفين .
وكذا مسرح النقد المشترك للنصوص المقدسة وكذا الموروث الفكري للحضارة الغربية،
والأصول أو البدايات الجينية للفلسفة الإغريقية الأولى قبل سقراط.
أما المنعطف الحقيقي فيكمن في النظرة الإكسيولوجية (أو القيمية) عند نيتشة تقويضا
للنظرة الإختزالية المتمحورة حول نظرية المعرفة،أما هيدغر فمنعطف يتأسس على
النظرة الأنطولوجية (الوجود) التي أعاد بناءها من الجذور وإنزالها من السماء لتنطلق
من الأرض إنطلاقا من الكائن ، لتصبح بخصيصة ميتافيزيقا الوجود الإنساني المنفرد
بدل ميتافيزيقا الوجود المطلق.
هذه أبرز نقاط الوقف والتوفيق بين المعولين للفكر الغربي، بين قبر الميتافيزيقا عند نيتشة ونبشها وإعادة روحها المتجددة عند هيدغر. والله يوفقنا لتقديم الأفضل يااارب